كيف اهتدى الملك إلى فكرة المسيرة؟
الرباط 09-11-2009
في 20 غشت 1975 كان علي أن ألقي خطابا بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب، وهي الذكرى التي تخلد تاريخ نفي الأسرة الملكية. وعشية ذلك اليوم كنت أتساءل مع نفسي: «ترى ماذا عساي أن أقول في هذا الخطاب»؟ وفي المساء وبعد أن أديت
صلاة العشاء أخلدت إلى النوم. فاستيقظت فجأة في منتصف الليل تراودني فكرة نفذت نفوذ السهم إلى ذهني وهي: «لقد رأيت آلاف الأشخاص يتظاهرون في جميع المدن الكبرى مطالبين باستعادة الصحراء. فلماذا إذن لا ننظم تجمهرا سلميا ضخما يأخذ شكل مسيرة»؟ وهنا أحسست أني قد تحررت من عبء ثقيل للغاية.
وقد اكتفيت في خطابي في اليوم الموالي بالتطرق لبعض القضايا العامة. إثر ذلك استدعيت وزير التجارة ووزير المالية وقلت لهما: «إن شهر رمضان قد يكون قاسيا، إذ المحاصيل الزراعية كانت متوسطة، فهل يمكنكما من باب الاحتياط تخزين كمية من المواد الغذائية؟ حتى إذا وجدنا أنفسنا في حاجة إلى عرضها في السوق أمكننا المحافظة على سعر تابث لها». فأجابا: «بكل تأكيد، وما هي الكمية التي يتعين تخزينها؟» فقلت لهما: «تموين يكفي لشهر أو شهرين». ولم يفطنا لشيء وهذا ما كنت أرغب فيه. واستدعيت بعد ذلك أولئك الذين سيصبحون إلى جانبي المسؤولين الثلاثة عن المسيرة الخضراء. وهم الجنيرال أشهبار الكاتب العام لإدارة الدفاع والجنيرال بناني من المكتب الثالث والكولونيل ماجور الزياتي من المكتب الرابع. وبعد أدائهم اليمين بعدم إفشاء السر حتى ولو لم يكونوا متفقين على ذلك، شرحت لهم أن عدد المشاركين في المسيرة سيصل إلى ثلاثمائة وخمسين ألف نسمة. فقالوا مستفسيرن: «لماذا كل هذا العدد؟» فأجبتهم بأن المسألة في غاية البساطة فهناك ثلاثمائة وخمسون ألف مغربي ومغربية يولدون كل سنة، وبالتالي فإن هذا العدد ليس بالأهمية التي قد تؤثر على عدد السكان». وقد ألهبت الفكرة على التو حماسهم وشرعوا في العمل بدون كاتبات أو أجهزة حاسوب، وكانوا يحررون كل شيء بأيديهم، حيث كان يتعين إحصاء كمية الخبز اللازمة لإطعام ثلاثمائة وخمسين ألف شخص، وعدد الشموع الضرورية لإنارة الخيام. وهكذا عملنا ـ نحن الأربعة ـ في سرية تامة حتى مطلع شهر أكتوبر. وهنا كان لابد من الإسرار للحكومة بذلك، وكذا لعمال الأقاليم حتى يفتحوا في الوقت المناسب المكاتب لتسجيل المتطوعين».
وعن السبب في تأخر إخبار الحكومة بالمسيرة، قال الملك: «لأن كتمان السر كان أسهل بين أربعة أشخاص، أكثر منه بين ثلاثين، فما بالكم إذا أفشي السر لأزيد من أربعين عامل إقليم، سيما وأن تسرب هذا السر كان سيكون مميتا وستكون له انعكاسات وخيمة على الصعيد الدولي».
عن «ذاكرة ملك ـ الحسن الثاني» ص 113 ـ 114